فصل: (فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْجِوَارِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْجِوَارِ):

بِكَسْرِ الْجِيمِ، مَصْدَرُ جَاوَرَ، وَأَصْلُهُ الْمُلَازَمَةُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُعْتَكِفِ مُجَاوِرًا؛ لِمُلَازَمَةِ الْجَارِ جَارَهُ فِي الْمَسْكَنِ. وَفِي الْحَدِيثِ «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ (إذَا حَصَلَ فِي هَوَائِهِ)؛ أَيْ: الْإِنْسَانِ أَوْ عَلَى جِدَارِهِ الْمَمْلُوكِ لَهُ هُوَ أَوْ مَنْفَعَتِهِ، (أَوْ فِي أَرْضِهِ) الَّتِي يَمْلِكُهَا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ يَمْلِكُ نَفْعَهَا أَوْ بَعْضَهُ (غُصْنُ شَجَرِ غَيْرِهِ أَوْ عِرْقُهُ)؛ أَيْ: حَصَلَ فِي هَوَائِهِ غُصْنُ شَجَرِ غَيْرِهِ، أَوْ حَصَلَ فِي أَرْضِهِ عِرْقُ شَجَرِ غَيْرِهِ، فَطَالَبَ رَبُّ الْعَقَارِ أَوْ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ رَبَّ الْغُصْنِ بِإِزَالَتِهِ؛ (لَزِمَهُ)؛ أَيْ: رَبَّ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ (إزَالَتُهُ) بِرَدِّهِ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى أَوْ قَطْعِهِ؛ سَوَاءٌ أَثَّرَ ضَرَرًا أَوْ لَا، لِيُخْلِيَ لَا مِلْكُهُ الْوَاجِبُ إخْلَاؤُهُ، وَالْهَوَاءُ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ؛ (فَيَأْثَمُ) رَبُّ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ (بِتَرْكِهِ) فِي هَوَاءِ جَارِهِ، أَوْ أَرْضِهِ، (وَلَا يُجْبَرُ) رَبُّ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ عَلَى إزَالَتِهِ بِصَيْرُورَتِهِ مُتَعَدِّيًا بِإِبْقَائِهِ. قَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ، بِخِلَافِ مَنْ مَالَ حَائِطُهُ، فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ- وَلَوْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ وَأَمْكَنَهُ- كَمَا يَأْتِي. (فَإِنْ أَبَى) رَبُّ عِرْقٍ أَوْ غُصْنٍ إزَالَتَهُ؛ (فَلِرَبِّ الْهَوَاءِ) وَالْأَرْضِ (قَطْعُهُ)؛ أَيْ: الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ (حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ إزَالَتُهُ بِدُونِهِ)؛ أَيْ: الْقَطْعِ، (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، وَإِنْ أَمْكَنَهُ إزَالَتُهُ بِلَا إتْلَافٍ وَلَا قَطْعٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَلَا غَرَامَةٍ؛ مِثْلُ أَنْ يَلْوِيَهُ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ إتْلَافُهُ؛ كَالْبَهِيمَةِ الصَّائِلَةِ إذَا انْدَفَعَتْ بِدُونِ الْقَتْلِ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ غَرِمَهُ؛ لِتَعَدِّيهِ، وَ(لَا) يَصِحُّ (صُلْحُهُ)؛ أَيْ: رَبِّ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ (عَنْ ذَلِكَ)؛ أَيْ: بَقَائِهِ كَذَلِكَ (بِعِوَضٍ)؛ لِأَنَّ شَغْلَهُ لِمِلْكِ الْآخَرِ لَا يَنْضَبِطُ، (وَلَا) صُلْحَ (مَنْ مَالِ حَائِطُهُ لِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ)؛ أَيْ: رَبَّ الْحَائِطِ الْمَائِلِ (نَقْضُهُ)؛ لِأَنَّ مَيْلَهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ صُلْحُ مَنْ (زَلِقَ)؛ أَيْ: زَلَّ (خَشَبُهُ) إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِعِوَضٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيُزَالُ زَائِدٌ مِنْهُ)؛ أَيْ: الْحَائِطِ وَالْخَشَبِ. (وَإِنْ اتَّفَقَ ذُو غُصْنٍ وَهَوَاءٍ) وَأَرْضٍ وَعِرْقٍ عَلَى (أَنْ الثَّمَرَةَ)؛ أَيْ: ثَمَرَةَ الْغُصْنِ (لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْهَوَاءِ، (أَوْ أَنْ) الثَّمَرَةَ (بَيْنَهُمَا؛ جَازَ) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الْقَطْعِ، (وَلَمْ يَلْزَمْ) الصُّلْحُ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا إبْطَالُهُ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرِ رَبِّ الشَّجَرِ؛ لِتَأْبِيدِ اسْتِحْقَاقِ الثَّمَرَةِ عَلَيْهِ، أَوْ مَالِكِ الْهَوَاءِ أَوْ الْأَرْضِ؛ لِتَأْبِيدِ بَقَاءِ الْغُصْنِ أَوْ الْعِرْقِ فِي مِلْكِهِ؛ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ، ثُمَّ امْتَنَعَ رَبُّ الشَّجَرِ مِنْ دَفْعِ مَا صَالَحَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، (وَكَذَلِكَ) الْحُكْمُ فِي (الِاتِّفَاقِ فِيمَا نَبَتَ مِنْ عِرْقٍ)؛ أَيْ: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ مَا نَبَتَ فِي الْعِرْقِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ لَهُمَا؛ جَازَ، وَلَمْ يَلْزَمْ. وَصِحَّةُ الصُّلْحِ هُنَا مَعَ جَهَالَةِ الْعِوَضِ وَهُوَ الثَّمَرَةُ أَوْ النَّابِتُ؛ خِلَافُ، الْقِيَاسِ؛ لِخَبَرِ مَكْحُولٍ يَرْفَعُهُ: «أَيُّمَا شَجَرَةٍ ظَلَّلَتْ عَلَى قَوْمٍ؛ فَهُمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قَطْعِ مَا ظَلَّلَ وَأَكْلِ ثَمَرِهَا». (وَفِي الْمُبْهِجِ ) فِي الْأَطْعِمَةِ (ثَمَرَةُ غُصْنٍ فِي هَوَاءِ طَرِيقٍ عَامٍّ لِلْمُسْلِمِينَ)؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ إذْنٌ فِي تَنَاوُلِ مَا سَقَطَ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ بِمَعْنَاهُ: وَإِنْ امْتَدَّ عُرُوقُ شَجَرِهِ إلَى أَرْضِ جَارِهِ، فَأَثَّرَتْ الْعُرُوقُ ضَرَرًا كَتَأْثِيرِ الْمُمْتَدِّ فِي الْمَصَانِعِ. (وَيَتَّجِهُ بَلْ) تَكُونُ الثَّمَرَةُ الَّتِي غُصْنُهَا فِي هَوَاءِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ (لِلْمَارَّةِ) مُطْلَقًا، (وَ) أَمَّا إذَا كَانَ الْغُصْنُ بِهَوَاءِ (الْمَسْجِدِ)؛ فَثَمَرَتُهُ (لِلْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ) تَكُونُ لَهُمْ (بَعْدَ طَلَبِ حَاكِمٍ) رَبَّ الْغُصْنِ (بِزَوَالِهِ)؛ أَيْ: إزَالَتِهِ عَنْ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يَضُرَّ بَقَاؤُهُ بِالْمَسْجِدِ؛ فَلَمْ يَفْعَلْ (أَوْ اتِّفَاقِ) رَبِّ الْغُصْنِ مَعَ الْحَاكِمِ عَلَى إبْقَائِهِ عَلَى حَالِهِ- وَلَا ضَرَرَ- وَتَكُونُ ثَمَرَتُهُ لَهُمْ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ؛ كَمَا مَرَّ آنِفًا؛ جَازَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَطَيُّ الْآبَارِ وَأَسَاسَاتُ الْحِيطَانِ أَوْ كَتَأْثِيرِهِ فِي مَنْعِ الْأَرْضِ الَّتِي امْتَدَّتْ إلَيْهَا الْعُرُوقُ مِنْ نَبَاتِ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ؛ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، أَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ الْمُمْتَدُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَالْحُكْمُ فِي قَطْعِهِ وَفِي الصُّلْحِ عَنْهُ كَالْحُكْمِ فِي الْأَغْصَانِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلًا. (وَحَرُمَ) (إخْرَاجُ نَحْوِ دَكَّةٍ) كَدُكَّانٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالدَّكَّةُ- بِالْفَتْحِ- وَالدُّكَّانُ- بِالضَّمِّ- بِنَاءٌ يَصْلُحُ أَعْلَاهُ لِلْمَقْعَدِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَرُمَّانِ الْحَانُوتِ (بِطَرِيقٍ نَافِذٍ- وَلَوْ) كَانَ الطَّرِيقُ (وَاسِعًا)- سَوَاءٌ ضَرَّ بِالْمَارَّةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ حَالًا فَقَدْ يَضُرُّ مَآلًا- (وَ) لَوْ (أَذِنَ فِيهِ إمَامٌ)- لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ؛ لَا سِيَّمَا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَضُرَّ؛ (فَيَضْمَنُ) مُخْرِجُ دُكَّانٍ أَوْ دَكَّةٍ (مَا تَلِفَ بِهِ)؛ لِتَعَدِّيهِ؛ كَمَا يَحْرُمُ (حَفْرُ بِئْرٍ بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ)، وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ.
تَتِمَّةٌ:
لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْفِرَ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ جَعَلَهَا لِمَاءِ الْمَطَرِ أَوْ اسْتَخْرَجَ مِنْهَا مَاءً عَذْبًا يَنْتَفِعُ بِهِ بِلَا ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَإِذْنُهُمْ كُلُّهُمْ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَإِذَا أَرَادَ حَفْرَهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَنَفْعَهُمْ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ، أَوْ كَانَتْ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً، وَأَرَادَ حَفْرَهَا فِي مَمَرِّ النَّاسِ بِحَيْثُ يُخَافُ سُقُوطُ إنْسَانٍ أَوْ دَابَّةٍ فِيهَا، أَوْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ مَمَرَّهُمْ؛ لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ حَفَرَهَا فِي زَاوِيَةٍ مِنْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ، وَجَعَلَ عَلَيْهَا مَا يَمْنَعُ الْوُقُوفَ فِيهَا؛ جَازَ؛ كَتَمْهِيدِهَا وَبِنَاءِ رَصِيفٍ فِيهَا. وَحَفْرُ الْبِئْرِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا مِنْ أَجْزَاءِ الْبِنَاءِ حَتَّى إنَّهُ يُنْهَى عَنْ تَجْصِيصِ الْحَائِطِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ) رَبُّ الْحَائِطِ بِهِ (فِي حَدِّهِ بِقَدْرِ غِلَظِ الْجِصِّ) انْتَهَى.
(وَكَذَا جَنَاحٌ- وَهُوَ الرَّوْشَنُ) عَلَى أَطْرَافِ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ مَدْفُونَةٍ فِي الْحَائِطِ- (وَسَابَاطٌ- وَهُوَ سَقِيفَةٌ) مُسْتَوْفِيَةٌ لِلطَّرِيقِ (بَيْنَ حَائِطَيْنِ)؛ أَيْ: عَلَى جِدَارَيْنِ- (وَمِيزَابٌ)؛ فَيَحْرُمُ إخْرَاجُهَا بِنَافِذٍ (إلَّا بِإِذْنِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِذْنُهُ كَإِذْنِهِمْ، وَلِحَدِيثِ أَحْمَدَ «أَنَّ عُمَرَ اجْتَازَ عَلَى دَارِ الْعَبَّاسِ، وَقَدْ نَصَبَ مِيزَابًا إلَى الطَّرِيقِ، فَقَلَعَهُ، فَقَالَ: تَقْلَعُهُ- وَقَدْ نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ- فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا تَنْصِبُهُ إلَّا عَلَى ظَهْرِي، فَانْحَنَى حَتَّى صَعِدَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَنَصَبَهُ»، وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، (وَلَا ضَرَرَ بِأَنْ؛ يُمْكِنَ عُبُورُ مَحْمِلٍ) كَمَجْلِسٍ وَمِقْوَدٍ (وَنَحْوِهِ تَحْتَهُ)؛ أَيْ: مَا ذَكَرَ مِنْ الرَّوْشَنِ وَالسَّابَاطِ وَالْمِيزَابِ، (وَإِلَّا) يُمْكِنُ عُبُورُ نَحْوِ الْمَحْمَلِ؛ (لَمْ يَجُزْ) وَضْعُهُ، وَلَا الْإِذْنُ فِيهِ. (قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ): وَالسَّابَاطُ الَّذِي يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ مِثْلُ أَنْ يَحْتَاجَ الرَّاكِبُ أَنْ يَحْنِيَ رَأْسَهُ إذَا مَرَّ هُنَاكَ، وَإِنْ غَفَلَ الرَّاكِبُ عَنْ نَفْسِهِ رَمَى السَّابَاطُ عِمَامَتَهُ، أَوْ شَجَّ رَأْسَهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَمُرَّ هُنَاكَ جَمَلٌ عَالٍ إلَّا كَسَرَ السَّابَاطُ قَتَبَهُ، وَالْجَمَلُ الْمُحَمَّلُ لَا يَمُرُّ هُنَاكَ، فَمِثْلُ هَذَا السَّابَاطِ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَارَّةِ (بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ)، بَلْ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إزَالَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ إلْزَامُهُ بِإِزَالَتِهِ حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ. انْتَهَى.
(وَقَالَ) الشَّيْخُ أَيْضًا: (إخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ إلَى الدَّرْبِ النَّافِذِ هُوَ السُّنَّةُ)، لِخَبَرِ الْعَبَّاسِ، وَتَقَدَّمَ. (فَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مُنْخَفِضًا) وَقْتَ وَضْعِ السَّابَاطِ، (ثُمَّ ارْتَفَعَ) الطَّرِيقُ (لِطُولِ الزَّمَنِ؛ وَجَبَ) عَلَى رَبِّهِ (إزَالَتُهُ) دَفْعًا لِضَرَرِهِ، (وَيَحْرُمُ فِعْلُ ذَلِكَ)؛ أَيْ: إخْرَاجِ دَكَّةٍ وَدُكَّانٍ وَجَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَمِيزَابٍ (فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ هَوَائِهِ)؛ أَيْ: الْغَيْرِ، (أَوْ) فِي (دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، أَوْ فَتْحِ بَابٍ فِي ظَهْرِ دَارٍ فِيهِ)؛ أَيْ: الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ (لِاسْتِطْرَاقٍ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ) إنْ كَانَ الْمَالِكُ غَيْرَهُ، (أَوْ) إلَّا بِإِذْنِ (أَهْلِهِ)؛ أَيْ: الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ؛ فَلَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِلَا إذْنِهِمْ، (وَيَجُوزُ صُلْحٌ عَنْ ذَلِكَ)؛ أَيْ: عَنْ إخْرَاجِ دُكَّانٍ وَدَكَّةٍ بِمِلْكِ غَيْرِهِ وَجَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَمِيزَابٍ بِهَوَاءِ غَيْرِهِ، أَوْ عَنْ الِاسْتِطْرَاقِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ (بِعِوَضٍ)؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ؛ كَالْقَرَارِ؛ كَمَا سَبَقَ، وَمَحَلُّهُ فِي الْجَنَاحِ وَنَحْوُهُ إذَا عَلِمَ مِقْدَارَ خُرُوجِهِ وَعُلْوِهِ (وَيَجُوزُ فَتْحُهُ)، أَيْ: الْبَابِ فِي ظَهْرِ دَارٍ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ بِلَا إذْنِ أَهْلِهِ (لِغَيْرِ اسْتِطْرَاقٍ كَالضَّوْءِ وَهَوَاءٍ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِأَهْلِهِ فِي الِاسْتِطْرَاقِ؛ وَلَمْ يُزَاحِمْهُمْ فِيهِ، وَلِأَنَّ غَايَتَهُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِرَفْعِ بَعْضِ حَائِطِهِ.
(وَ) يَجُوزُ (نَقْلُ بَابٍ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ) مِنْ آخِرِهِ (إلَى أَوَّلِهِ) لِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِطْرَاقِ؛ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ (بِلَا ضَرَرٍ)، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ؛ مُنِعَ مِنْهُ؛ كَأَنْ فَتَحَهُ (فِي مُقَابَلَةِ بَابِ غَيْرِهِ)، وَكَنَحْوِهِ؛ كَمَا لَوْ (فَتَحَهُ عَالِيًا) يَصْعَدُ إلَيْهِ بِسُلَّمٍ (لِيُشْرِفَ مِنْهُ عَلَى دَارِ غَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ)؛ أَيْ: الْبَابِ بِدَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى دَاخِلٍ مِنْهُ نَصًّا (إنْ لَمْ يَأْذَنْ مَنْ فَوْقَهُ)؛ أَيْ: الدَّاخِلِ عَنْهُ؛ لِتَقَدُّمِهِ إلَى مَوْضِعٍ لَا اسْتِطْرَاقَ لَهُ فِيهِ، (فَإِنْ أَذِنَ) لَهُ مَنْ فَوْقَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَيَكُونُ (إعَارَةً لَازِمَةً)، فَلَا رُجُوعَ لِلْآذِنِ بَعْدَ فَتْحِ الدَّاخِلِ وَسَدِّ الْأَوَّلِ؛ كَإِذْنِهِ فِي نَحْوِ بِنَاءٍ عَلَى جِدَارِهِ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ، فَإِنْ سَدّ الْمَالِكُ بَابَهُ الدَّاخِلَ، ثُمَّ أَرَادَ فَتْحَهُ؛ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا بِإِذْنٍ ثَانٍ. (وَحَقُّ ذِي بَابَيْنِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ إلَى دَاخِلٍ وَمَا بَعْدَهُ؛ فَلِلْآخَرِ)؛ أَيْ: لَوْ كَانَ فِي الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ بَابَانِ فَقَطْ لِرَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا قَرِيبٌ إلَى بَابِ الزُّقَاقِ، وَالْبَابُ الْآخَرُ مِنْ دَاخِلِهِ، فَتَنَازَعَ الرَّجُلَانِ فِي الدَّرْبِ؛ حُكِمَ بِالدَّرْبِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى الْبَابِ الَّذِي يَلِي أَوَّلَ الدَّرْبِ بَيْنَهُمَا، وَلَهُمَا الِاسْتِطْرَاقُ فِيهِ جَمِيعًا: وَحُكِمَ بِمَا بَعْدَ الْبَابِ الْأَوَّلِ إلَى صَدْرِ الدَّرْبِ لِلْآخَرِ (يَخْتَصُّ بِهِ مِلْكًا لَهُ)؛ أَيْ: إنَّ الِاسْتِطْرَاقَ فِي ذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ، فَلَهُ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ فِيمَا جَاوَزَ بَابَهُ، (وَلَهُ)؛ أَيْ: لِلْآخَرِ (جَعْلُهُ)؛ أَيْ: جَعْلُ مَا بَعْدَ الْبَابِ الْأَوَّلِ (دِهْلِيزًا لِنَفْسِهِ، وَلَهُ إدْخَالُهُ فِي دَارِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِجَارِهِ)؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ كَيْفَ شَاءَ بِلَا ضَرَرٍ. (وَمَنْ لَهُ بَابُ سِرٍّ) يَخْرُجُ مِنْهُ النِّسَاءُ أَوْ الرِّجَالُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَطْرِقَ مِنْهُ اسْتِطْرَاقًا عَامًّا، فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ)؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الِاسْتِطْرَاقَ كَذَلِكَ، فَلَا يَتَجَاوَزُهُ. (وَمَنْ خَرَقَ بَيْنَ دَارَيْنِ لَهُ)؛ أَيْ: الْخَارِقِ (مُتَلَاصِقَتَيْنِ) مِنْ ظَهْرِهِمَا (بَابُهُمَا فِي دَرْبَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ)؛ أَيْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَاسْتَطْرَقَ بِالْخَرْقِ (إلَى كُلٍّ) مِنْ الدَّارَيْنِ (مِنْ) الْبَابِ (الْآخَرِ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَطْرَقَ مِنْ كُلِّ دَرْبٍ إلَى دَارِهِ الَّتِي فِيهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ مِنْهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ؛ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ لَهَا بَابَانِ يَدْخُلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَخْرُجُ مِنْ الْآخَرِ.

.(فَصْلٌ): [في تحريمِ مِلْكِ مَا يَضُرُّ بِالْجَارِ]:

(وَحَرُمَ) عَلَى مَالِكٍ (أَنْ يُحْدِثَ بِمِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ)؛ لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ (كَحَمَّامٍ) يَتَأَذَّى جَارُهُ بِدُخَانِهِ، أَوْ يُنَضِّرُ حَائِطَهُ بِمَائِهِ، وَمِثْلُهُ مَطْبَخُ سُكَّرٍ (وَكَنِيفٌ مُلَاصِقٌ لِحَائِطِ جَارِهِ) يَتَأَذَّى بِرِيحِهِ، أَوْ يَصِلُ إلَى بِئْرِهِ، (وَرَحًى) يَهْتَزُّ بِهَا حِيطَانُهُ، (وَتَنُّورٌ) يَتَعَدَّى دُخَانُهُ إلَيْهِ، (وَعَمَلُ دُكَّانِ قِصَارَةٍ أَوْ حِدَادَةٍ يَتَأَذَّى بِكَثْرَةِ دَقًّ وَبِهَزِّ الْحِيطَانِ)؛ لِلْخَبَرِ.
(وَ) يَحْرُمُ (غَرْسُ شَجَرٍ نَحْوِ تِينٍ) كَجُمَّيْزٍ (تَسْرِي عُرُوقُهُ)؛ أَيْ: أُصُولُهُ (فَتَشُقُّ مَصْنَعَ غَيْرِهِ)؛ أَيْ: جَارِهِ (وَحَفْرُ بِئْرٍ يَقْطَعُ مَاءَ بِئْرِ جَارِهِ وَسَقْيٌ وَإِشْعَالُ نَارٍ يَتَعَدَّيَانِ) إلَى جَارِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يُؤْذِيهِ. (وَيَضْمَنُ) مَنْ أَحْدَثَ بِمِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ (مَا تَلِفَ بِذَلِكَ) بِسَبَبِ الْإِحْدَاثِ؛ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، (وَلِجَارِهِ مَنْعُهُ إنْ أَحْدَثَ ذَلِكَ كَابْتِدَاءِ إحْيَائِهِ)؛ أَيْ: كَمَا لَهُ مَنْعُهُ مِنْ إحْيَاءِ مَا بِجِوَارِهِ؛ لِتَعَلُّقِ مَصَالِحِهِ بِهِ كَمَا لَهُ مَنْعُهُ مِنْ دَقٍّ وَسَقْيٍ يَتَعَدَّى إلَيْهِ، (بِخِلَافِ طَبْخِهِ وَخَبْزِهِ فِي مِلْكِهِ، فَلَا يُمْنَعُ) مِنْهُ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَ(لِيُسْرِ ضَرَرِهِ)، لَا سِيَّمَا بِالْقُرَى. وَإِنْ ادَّعَى فَسَادَ بِئْرِهِ بِكَنِيفِ جَارِهِ أَوْ بَالُوعَتِهِ، اُخْتُبِرَ بِالنِّفْطِ يُلْقَى فِيهَا، فَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ بِالْمَاءِ؛ نُقِلَتْ إنْ لَمْ يُمْكِنْ إصْلَاحُهَا بِنَحْوِ بِنَاءٍ يَمْنَعُ وُصُولَهُ إلَى الْبِئْرِ (وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ) الْمُضِرُّ بِالْجَارِ (سَابِقٌ بِضَرَرٍ لَاحِقٍ؛ كَمَنْ لَهُ فِي مُلْكِهِ نَحْوُ مَدْبَغَةٍ) كَرَحًى وَتَنُّورٍ (فَأَحْيَا) إنْسَانٌ (آخَرُ بِجَانِبِهَا مَوَاتًا) أَوْ بَنَى دَارًا، أَوْ اشْتَرَى دَارًا بِجَانِبِهِ بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُ صَاحِبُ الْمِلْكِ الْمُحْدَثِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ الْمَدْبَغَةِ؛ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الْمَدْبَغَةِ وَنَحْوِهَا إزَالَةُ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ بِمُلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ): (مَنْ كَانَتْ لَهُ سَاحَةٌ يُلْقِي فِيهَا التُّرَابَ وَالْحَيَوَانَ) الْمَيِّتَ، (وَيَتَضَرَّرُ الْجِيرَانُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهَا دَفْعُ تَضَرُّرِ الْجِيرَانِ، إمَّا بِإِعْمَارٍ بِهَا، أَوْ إعْطَائِهَا لِمَنْ يَعْمُرُهَا، أَوْ مَنْعِ مَنْ يُلْقِي فِيهَا) مَا يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ. (وَلَا يُمْنَعُ جَارٌ غَيْرُ مُضَارٍّ) لِجَارِهِ (مِنْ تَعْلِيَةِ بِنَاءِ دَارِهِ)، وَلَوْ أَفْضَى إعْلَاؤُهُ (لِسَدِّ فَضَاءِ جَارِهِ، أَوْ) أَفْضَى [إلَى] (نَقْصِ أُجْرَتِهِ) انْتَهَى.
(وَيَلْزَمُ الْأَعْلَى) مِنْ الْجَارَيْنِ (بِنَاءُ سُتْرَةٍ تَمْنَعُ مُشَارَفَةَ الْأَسْفَلِ)؛ لِأَنَّ الْإِشْرَافَ عَلَى الْجَارِ إضْرَارٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَكْشِفُهُ، وَيَطَّلِعُ عَلَى حُرَمِهِ؛ فَمُنِعَ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ السُّتْرَةُ قَدِيمَةً، فَانْهَدَمَتْ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ إعَادَتُهَا، (فَإِنْ اسْتَوَيَا) فِي الْعُلُوِّ؛ (اشْتَرَكَا فِي بِنَائِهَا)؛ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِالسُّتْرَةِ؛ فَلَزِمَتْهُمَا (وَيُجْبَرُ مُمْتَنِعٌ) مِنْهُمَا عَلَى الْبِنَاءِ مَعَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ؛ لِتَضَرُّرِ جَارِهِ بِمُجَاوَرَتِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ، فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ كَانَ سَطْحُ أَحَدِهِمَا أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ؛ فَلَيْسَ لَهُ الصُّعُودُ عَلَى سَطْحِهِ عَلَى وَجْهٍ يُشْرِفُ عَلَى بَيْتِ جَارِهِ، إلَّا مَعَ السُّتْرَةِ؛ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يَلْزَمُ الْأَعْلَى سَدُّ طَاقَةٍ) إذَا لَمْ يَنْظُرْ مِنْهَا مَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ مِنْ جِهَةِ جَارِهِ؛ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهَا عَلَى الْجَارِ حِينَئِذٍ، فَإِنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْهَا لَزِمَهُ سَتْرُهَا. (وَلَا يُمْنَعُ مِنْ صُعُودِ سَطْحِهِ حَيْثُ لَمْ يَنْظُرْ حَرَامًا عَلَى جَارِهِ)، فَإِنْ نَظَرَ ذَلِكَ حَرُمَ، وَمُنِعَ. (وَإِنْ حَفَرَ إنْسَانٌ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ)، فَانْقَطَعَ مَاءُ بِئْرِ جَارِهِ، (وَتَوَهَّمَ انْقِطَاعَ مَاءِ بِئْرِ جَارِهِ) بِسَبَبِ حَفْرِ بِئْرِهِ الْحَادِثَةِ؛ (طُمَّتْ) الْحَادِثَةُ (لِيَعُودَ مَاءُ بِئْرِهِ)؛ أَيْ: الْجَارُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الِانْقِطَاعَ بِسَبَبِهَا، (فَإِنْ) سَدَّ الثَّانِي بِئْرَهُ، (وَلَمْ يَعُدْ) مَاءُ الْأُولَى؛ (كُلِّفَ الْجَارُ)؛ أَيْ: صَاحِبُ الْبِئْرِ الْقَدِيمَةِ (حَفْرُ الْبِئْرِ الْمَطْمُومَةِ) الَّتِي سُدَّتْ مِنْ أَجَلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي سَدِّهَا بِغَيْرِ حَقٍّ. (وَمَنْ لَهُ حَقُّ مَاءٍ يَجْرِي عَلَى سَطْحِ جَارِهِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدٌ سَطْحَهُ) لِآخَرَ؛ (لَمْ يَجُزْ لِجَارِهِ تَعْلِيَةُ سَطْحِهِ لِيَمْنَعَ الْمَاءَ) أَنْ يَجْرِيَ عَلَى سَطْحِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ جَارِهِ، (أَوْ) أَنْ يُعْلِيَهُ (لِكَيْ يُكْثِرَ ضَرَرَهُ)؛ أَيْ: صَاحِبُ الْحَقِّ بِإِجْرَائِهِ مَا عَلَاهُ لِلْمُضَارَّةِ بِهِ. (وَيَحْرُمُ تَصَرُّفٌ فِي جِدَارِ جَارٍ أَوْ فِي) جِدَارٍ (مُشْتَرَكٍ) بَيْنَ الْمُتَصَرِّفِ وَغَيْرِهِ (بِفَتْحِ رَوْزَنَةٍ)، وَهِيَ الْكَوَّةُ- بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا-؛ أَيْ: الْخَرْقُ فِي الْحَائِطِ (أَوْ) بِفَتْحِ (طَاقٍ، أَوْ بِضَرْبِ وَتَدٍ)- وَلَوْ لِسُتْرَةٍ-، (أَوْ) (لِوَضْعِ دُفٍّ فِيهِ)؛ أَيْ: الْجِدَارِ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَيَحْرُمُ أَنْ (يُحْدِثَ عَلَيْهِ سُتْرَةً أَوْ خُصًّا يَحْجِزُ بِهِ)؛ أَيْ: الْخُصِّ (بَيْنَ السَّطْحَيْنِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) أَوْ شَرِيكِهِ كَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ، (وَكَذَا) يَحْرُمُ (وَضْعُ خَشَبٍ) عَلَى جِدَارِ دَارٍ مُشْتَرَكٍ، (إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ)؛ فَيَجُوزُ (بِلَا ضَرَرِ حَائِطٍ) نَصًّا، (وَيُجْبَرُ) رَبُّ الْجِدَارِ أَوْ الشَّرِيكُ فِيهِ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْهُ (إنْ أَبَى بِلَا عِوَضٍ)؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ لَأَضَعَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ، وَلِأَحْمِلَنكُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا، وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَأَضَعَنَّ جُذُوعَ الْجِيرَانِ عَلَى أَكْتَافِكُمْ مُبَالَغَةً، وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِحَائِطِ جَارِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّهُ؛ أَشْبَهَ الِاسْتِنَادَ إلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَالْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ، وَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ؛ (وَإِنْ صَالَحَهُ) عِنْدَ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِهِ (بِشَيْءٍ).
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ (جَازَ) فِي الْأَصَحِّ. (وَيَتَّجِهُ وَلَمْ يَلْزَمْ) الصُّلْحُ (قَبْلَ قَبْضِ) عِوَضٍ صَالَحَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ (وَ) قَبْلَ (وَضْعِ) الْخَشَبِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ صَارَ لَازِمًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَجِدَارُ مَسْجِدٍ كَجِدَارِ دَارٍ وَأَوْلَى) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ فِي مِلْكِ الْجَارِ- مَعَ أَنَّ حَقَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ- فَفِي حُقُوقِ اللَّهِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ أَوْلَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَتْحِ الْبَابِ وَالطَّاقِ، وَبَيْنَ وَضْعِ الْخَشَبِ أَنَّ الْخَشَبَ يُمْسِكُ الْحَائِطَ وَالطَّاقَ وَالْبَابُ يُضْعِفُهُ، وَوَضْعُ الْخَشَبِ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلِرَبِّ الْحَائِطِ هَدْمُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ.
(وَ) جِدَارٌ (مُؤَجَّرٌ كَمُشْتَرَى) فِيمَا تَقَدَّمَ (وَفِي) وَضْعِ خَشَبٍ عَلَى جِدَارٍ (مَوْقُوفٍ) وَقْفًا أَهْلِيًّا أَوْ عَلَى جِهَةِ بِرِّ (الْخِلَافِ) بَيْنَ الْأَصْحَابِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ، (أَوْ) يُقَالُ: إنَّهُ (يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا)، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ الْمُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ (وَفِي الْفُرُوعِ وَهُوَ)؛ أَيْ: جَوَازُ وَضْعِ خَشَبٍ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ (أَوْلَى وَالْمُرَادُ وَلَا ضَرَرَ) فِي وَضْعِهِ عَلَى الْجِدَارِ الْمَوْقُوفِ. (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ) بِنَاءً مُسْتَقِلًّا- وَلَوْ جَعَلَهُ وَقْفًا عَلَى جِهَة بِرٍّ- (عَلَى) جِدَارٍ أَوْ سَقْفٍ (وَقْفٍ)، أَهْلِيًّا كَانَ الْوَقْفُ أَوْ غَيْرُهُ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ الْمَنْعِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْوَقْفِ إذَا (لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنَافِعُهُ). وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (مَا)؛ أَيْ: بِنَاءٌ (يَضُرُّ بِهِ)؛ أَيْ: الْوَقْفِ، أَمَّا إذَا ضَرَّ بِهِ؛ فَيَحْرُمُ (اتِّفَاقًا) بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، (وَكَذَا إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ). وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ. وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ مُسْتَوْفًى. (وَمَنْ مَلَكَ وَضْعَ خَشَبٍ عَلَى حَائِطٍ، فَزَالَ الْخَشَبُ) عَنْ الْحَائِطِ، (أَوْ) زَالَ (الْحَائِطُ، ثُمَّ أُعِيدَ؛ فَلِرَبِّ الْخَشَبِ إعَادَتُهُ)؛ أَيْ: الْخَشَبِ (بِشَرْطِهِ) بِأَنْ لَا يُمْكِنَ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ بِلَا ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُجَوِّزَ لِوَضْعِهِ مُسْتَمِرٌّ، فَاسْتَمَرَّ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ، (وَإِنْ خِيفَ سُقُوطُ الْحَائِطِ بِاسْتِمْرَارِهِ)؛ أَيْ: الْخَشَبِ (عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْحَائِطِ بَعْدَ وَضْعِهِ؛ (لَزِمَهُ إزَالَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ، وَ(لَا) تَلْزَمُهُ الْإِزَالَةُ (إنْ اسْتَغْنَى رَبُّ الْخَشَبِ عَنْ إبْقَائِهِ) عَنْ الْحَائِطِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي. (وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْجِدَارِ) الَّذِي اسْتَحَقَّ الْجَارُ وَضْعَ خَشَبِهِ عَلَيْهِ (هَدَمَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ)؛ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، (أَوْ) أَرَادَ (إعَارَتَهُ أَوْ إجَارَتَهُ [عَلَى وَجْهٍ] يَمْنَعُ جَارَهُ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ؛ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ بِذَلِكَ حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَاعَهُ؛ صَحَّ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَمْلِكْ الْمُشْتَرِي مَنْعَهُ، وَإِنْ احْتَاجَ رَبُّ الْحَائِطِ إلَى هَدْمِهِ لِلْخَوْفِ مِنْ انْهِدَامِهِ، أَوْ لِتَحْوِيلِهِ إلَى مَكَانٍ آخَرَ، أَوْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ؛ مَلَكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ؛ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ غَيْرُ مُضَارٍّ لِجَارِهِ. (وَمَنْ وَجَدَ بِنَاءَهُ، أَوْ وَجَدَ خَشَبَهُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ، أَوْ) وَجَدَ (مَسِيلَ مَائِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ،) أَوْ جَنَاحَهُ أَوْ سَابَاطَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، (أَوْ) وَجَدَ (مَجْرَى مَاءِ سَطْحِهِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَهُ؛ فَهُوَ)؛ أَيْ: مَا وَجَدَهُ حَقٌّ (لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَضْعُهُ بِحَقٍّ) مِنْ صُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ خُصُوصًا مَعَ تَطَاوُلِ الْأَزْمِنَةِ، (فَإِنْ اخْتَلَفَا) [فِي أَنَّهُ وُضِعَ] بِحَقٍّ أَوْ لَا؛ (فَقَوْلُهُ)؛ أَيْ: صَاحِبِ الْبِنَاءِ وَالْخَشَبِ وَالْمَسِيلِ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ (بِيَمِينِهِ)؛ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. (وَلَوْ أَذِنَ جَارٌ لِجَارِهِ فِي الْبِنَاءِ عَلَى حَائِطِهِ، أَوْ فِي وَضْعِ سُتْرَةٍ، أَوْ) فِي وَضْعِ (خَشَبٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ (عَلَيْهِ)؛ أَيْ: حَائِطِهِ (حَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ وَضْعَهُ) عَلَيْهِ؛ (جَازَ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، (وَصَارَ) ذَلِكَ (عَارِيَّةً لَازِمَةً). وَيَأْتِي.

.(فَصْلٌ): [يَجُوزُ لِغَيْرِ مَالِكِ جِدَارٍ الِاسْتِنَادٌ إلَيْهِ]:

(وَ) يَجُوزُ (لِغَيْرِ مَالِكِ جِدَارٍ اسْتِنَادٌ إلَيْهِ)؛ أَيْ: جِدَارِ غَيْرِهِ، (وَ) لَهُ (إسْنَادُ قُمَاشِهِ) وَغَيْرُهُ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ، (وَلَهُ جُلُوسٌ بِظِلِّهِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ- وَالتَّحَرُّزُ مِنْهُ يَشُقُّ- (كَنَظَرِهِ فِي ضَوْءِ سِرَاجِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ) نُصَّ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ (كَتْبُهُ) شَيْئًا (يَسِيرًا) كَكَلِمَةٍ وَسَطْرٍ (بِقَلَمِهِ)؛ أَيْ: قَلَمِ نَفْسِهِ (مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ) بِلَا إذْنِهِ؛ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا يُتَسَامَحُ بِهِ عَادَةً وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ): (الْعَيْنُ) كَحَبَّةِ بُرٍّ، (وَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا عَادَةً؛ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهَا عَقْدُ بَيْعٍ، وَلَا) عَقْدُ (إجَارَةٍ اتِّفَاقًا كَمَسْأَلَتِنَا)؛ أَيْ: كَالِاسْتِنَادِ إلَى الْجِدَارِ وَنَحْوِهِ. (وَإِنْ طَالَبَ شَرِيكٌ فِي حَائِطٍ) انْهَدَمَ، (أَوْ) فِي (سَقْفٍ) فِيمَا بَيْنَهُمَا مُشَاعًا، أَوْ بَيْنَ سُفْلِ أَحَدِهِمَا [وَعُلُوِّ الْآخَرِ] (وَلَوْ وَقْفًا انْهَدَمَ شَرِيكُهُ الْمُوسِرُ) فِيهِ (بِبِنَاءٍ مَعَهُ)؛ أَيْ: الطَّالِبِ؛ (أُجْبِرَ) الْمَطْلُوبُ عَلَى الْبِنَاءِ مَعَهُ نَصًّا؛ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى (نَقْضِ) ذَلِكَ (عِنْدَ خَوْفِ) [سُقُوطِ] الْحَائِطِ أَوْ السَّقْفِ؛ دَفْعًا لِضَرَرِهِ؛ لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». وَكَوْنُ الْمِلِكِ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ تُوجِبُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ مُسَلَّمٌ، لَكِنَّ حُرْمَةَ الشَّرِيكِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْبِنَاءِ تُوجِبُ ذَلِكَ، (وَيَلْزَمُهُمَا)؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ (نَقْضُهُ)؛ أَيْ: جِدَارَهُمَا أَوْ سَقْفَهُمَا (إنْ خِيفَ ضَرَرُهُ)، وَإِلَّا فَلَا، (فَإِنْ أَبَى) شَرِيكٌ الْبِنَاءَ مَعَ شَرِيكِهِ، وَأَجْبَرَهُ عَلَيْهِ حَاكِمٌ، وَأَصَرَّ؛ (أَخَذَ حَاكِمٌ)- تَرَافَعَا إلَيْهِ- (مِنْ مَالِهِ)؛ أَيْ: الْمُمْتَنِعِ النَّقْدِ، وَأُنْفِقَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، (أَوْ بَاعَ) الْحَاكِمُ (عَرَضَهُ)؛ أَيْ: الْمُمْتَنِعِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْدٌ، (وَأُنْفِقَ) مِنْ ثَمَنِهِ مَعَ شَرِيكِهِ بِالْمُحَاصَّةِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ لِنَحْوِ تَغْيِيبِ مَالِهِ (اقْتَرَضَ عَلَيْهِ) الْحَاكِمُ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ؛ كَنَفَقَةِ نَحْوِ زَوْجَتِهِ. (وَإِنْ بَنَاهُ) شَرِيكٌ (بِإِذْنِ شَرِيكٍ- وَلَوْ مُعْسِرًا- أَوْ) بَنَاهُ بِإِذْنِ (حَاكِمٍ أَوْ) بِدُونِ إذْنِهِمَا (لِيَرْجِعَ) عَلَى شَرِيكِهِ حَالَ كَوْنِ مَا يَبْنِيهِ (شَرِكَةً؛ رَجَعَ)؛ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْمُنْفِقِ عَنْهُ، (وَ) إنْ بَنَاهُ (لِنَفْسِهِ بِآلَتِهِ)؛ أَيْ: الْمُنْهَدِمَ؛ فَالْمَبْنِيُّ (شَرِكَةٌ) بَيْنَهُمَا؛ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْبَانِيَ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى التَّأْلِيفِ، وَهُوَ أَثَرٌ لَا عَيْنٌ يَمْلِكُهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ شَرِيكَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ أَخْذِ نِصْفِ نَفَقَةِ تَأْلِيفِهِ؛ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ. وَإِنْ بَنَى لِنَفْسِهِ (بِغَيْرِ آلَتِهِ)؛ أَيْ: غَيْرِ آلَةِ الْمُنْهَدِمِ؛ فَالْبِنَاءُ (لَهُ)؛ أَيْ: الْبَانِي خَاصَّةً، (وَلَهُ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، لَا إنْ دَفَعَ لَهُ شَرِيكُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ)، فَلَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ، فَأُجْبِرَ عَلَى الْإِبْقَاءِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْبَانِي نَقْضُهُ، وَلَا إجْبَارُ الْبَانِي عَلَى نَقْضِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْ بِنَائِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ إجْبَارَهُ عَلَى نَقْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَطَالَبَهُ الْبَانِي بِالْغَرَامَةِ أَوْ الْقِيمَةِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا إنْ أَذِنَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ رَسْمُ انْتِفَاعٍ وَوَضْعُ خَشَبٍ، وَقَالَ: إمَّا أَنْ تَأْخُذَ مِنِّي نِصْفَ قِيمَتِهِ لِأَنْتَفِعَ بِهِ، أَوْ تُقْلِعَهُ [لِنُعِيدَ الْبِنَاءَ] بَيْنَنَا؛ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ رُسُومِهِ وَانْتِفَاعِهِ. (وَكَذَا إنْ احْتَاجَ لِعِمَارَةِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ دُولَابٍ أَوْ نَاعُورَةٍ أَوْ قَنَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ فَيُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْعِمَارَةِ إنْ امْتَنَعَ، وَفِي النَّفَقَةِ مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ الْعِمَارَةِ إذَا أَرَادَهَا كَالْحَائِطِ، فَإِنْ عَمَرَهُ أَحَدُهُمْ؛ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ الْمُعَمِّرُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ مِلْكِهِمَا، وَإِنَّمَا أَثَّرَ أَحَدُهُمْ فِي نَقْلِ الطِّينِ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِيهِ عَيْنُ مَالٍ. وَالْحُكْمُ فِي الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَائِطِ.
تَتِمَّةٌ:
إذَا كَانَ بَعْضُ شُرَكَاءَ فِي نَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَقْرَبَ إلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ اشْتَرَكَ الْكُلُّ فِي كَرْيِهِ وَإِصْلَاحِهِ حَتَّى يَصِلُوا إلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ إذَا وَصَلُوا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِانْتِهَاءِ اسْتِحْقَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَيَشْتَرِكُ الْبَاقُونَ حَتَّى يَصِلُوا إلَى الثَّانِي، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لَمَا تَقَدَّمَ، وَيَشْتَرِكُ مَنْ بَعْدَ الثَّانِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الثَّالِثِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا كُلَّمَا انْتَهَى الْعَمَلُ إلَى مَوْضِعِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِهِ. (وَمَنْ هَدَمَ بِنَاءً) مُشْتَرَكًا مِنْ حَائِطٍ أَوْ سَقْفٍ (لَهُ فِيهِ حِصَّةٌ. وَيَتَّجِهُ أَوْ لَا) حِصَّةَ لَهُ فِيهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إنْ خِيفَ سُقُوطُهُ)؛ وَجَبَ هَدْمُهُ لِذَلِكَ، (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، (وَإِلَّا) يَخَفْ سُقُوطَهُ؛ وَهَدْمَهُ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، (لَزِمَهُ إعَادَتُهُ كَمَا كَانَ)؛ لِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ إلَّا بِإِعَادَتِهِ جَمِيعِهِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يُلْزِمُ أَرْشَ نَقْصِهِ بِالنَّقْضِ. (وَإِنْ بَنَيَا مَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) مِنْ الْحَائِطِ أَوْ غَيْرِهِ، (وَالنَّفَقَةُ نِصْفَيْنِ عَلَى أَنْ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ) مِمَّا لِلْآخَرِ؛ بِأَنْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَيْنِ مَثَلًا؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَ عَنْ بَعْضِ مِلْكِهِ بِبَعْضِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَارٍ، فَصَالَحَهُ بِسُكْنَاهَا، (أَوْ) بَنَيَاهُ عَلَى (أَنْ كُلًّا مِنْهُمَا يُحَمِّلُهُ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ؛ لَمْ يَصِحَّ- وَلَوْ وُصِفَ الْحَمْلُ) لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ. (وَإِنْ عَجَزَ قَوْمٌ عَنْ عِمَارَةِ نَحْوِ قَنَاتِهِمْ) كَنَهَرِهِمْ (وَيَتَّجِهُ أَوْ لَمْ يَعْجِزُوا) عَنْ ذَلِكَ؛ فَالْمَفْهُومُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَأَعْطَوْهَا لِمَنْ يَعْمُرُهَا، وَيَكُونُ لَهُ مِنْهَا جُزْءٌ مَعْلُومٌ) كَنِصْفٍ أَوْ رُبْعٍ؛ (صَحَّ) كَدَفْعِ رَقِيقٍ لِمَنْ يُرَبِّيهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ، وَغَزْلٍ لِمَنْ يَنْسِجُهُ كَذَلِكَ. (وَمَنْ لَهُ عُلُوٌّ) مِنْ طَبَقَتَيْنِ وَالسُّفْلَى لِلْآخَرِ، (أَوْ لَهُ طَبَقَةٌ ثَانِيَةٌ)، وَمَا تَحْتَهَا لِغَيْرِهِ، فَانْهَدَمَ السُّفْلُ فِي الْأُولَى وَالْوَسَطِ، أَوْ هُمَا فِي الثَّانِيَةِ؛ (لَمْ يُشَارِكْ) رَبُّ الْعُلُوِّ (فِي) النَّفَقَةِ [عَلَى] (بِنَاءِ) مَا (انْهَدَمَ تَحْتَهُ) مِنْ سُفْلٍ أَوْ وَسَطٍ؛ لِأَنَّ الْحِيطَانَ إنَّمَا تُبْنَى لِمَنْعِ النَّظَرِ وَالْوُصُولِ إلَى السَّاكِنِ، وَهَذَا يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ تَحْتَهُ، دُونَ رَبِّ الْعُلُوِّ، (وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى بِنَائِهِ (مَالِكُهُ)؛ أَيْ: الْمُنْهَدِمِ تَحْتَهُ؛ لِيَتَمَكَّنَ رَبُّ الْعُلُوِّ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِهِ. وَلَوْ كَانَ السُّفْلُ لِوَاحِدٍ وَالْعُلُوُّ لِآخَرَ، وَتَنَازَعَا فِي السَّقْفِ- وَلَا بَيِّنَةَ- فَالسَّقْفُ بَيْنَهُمَا؛ لِانْتِفَاعِ كُلٍّ بِهِ، لَا لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ وَحْدَهُ. وَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا.

.(كِتَابُ الْحَجْرِ):

الْحَجْرُ: هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَالتَّضْيِيقُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَرَامُ حَجْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا}؛ أَيْ: حَرَامًا مُحَرَّمًا، وَسُمِّيَ الْعَقْدُ حَجْرًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَا يَقْبُحُ، وَتَضُرُّ عَاقِبَتُهُ. وَشَرْعًا (مَنْعُ مَالِكٍ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ غَالِبًا)، سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ كَالصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ، أَوْ الْحَاكِمِ كَمَنْعِهِ الْمُشْتَرِيَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ حَتَّى يَقْضِيَ الثَّمَنَ الْحَالَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} أَيْ: أَمْوَالَهُمْ، لَكِنْ أُضِيفَتْ إلَى الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ عَلَيْهَا مُدَبِّرُونَ لَهَا وقَوْله تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} الْآيَةَ.
(وَ) الْحَجْرُ (لِفَلَسٍ مَنْعُ حَاكِمٍ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ الْمَوْجُودِ). (وَيَتَّجِهُ وَالْمَعْدُومُ) كَالْمُتَجَدِّدِ بَعْدَ الْحَجْرِ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، (فَلَا) يَجُوزُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَنْ (يُبْرِئَ) مَدِينَهُ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا أَنْ (يُحِيلَ) عَلَيْهِ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ الْبَاقِي (مُدَّةَ الْحَجْرِ)؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْجَمِيعِ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْمُفْلِسُ لُغَةً مَنْ لَا مَالَ)؛ أَيْ: نَقْدَ (لَهُ)، وَلَا مَا يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ.
(وَ) الْمُفْلِسُ (شَرْعًا مَنْ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ)، سُمِّيَ مُفْلِسًا- وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ- لِأَنَّ مَالَهُ مُسْتَحِقُّ الصَّرْفِ فِي جِهَةِ دَيْنِهِ، فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ، أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يُؤَوَّلُ مِنْ عَدَمِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ إلَّا الشَّيْءَ التَّافِهَ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ كَالْفُلُوسِ وَنَحْوِهَا. (وَالْحَجْرُ) الَّذِي يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهٍ (ضَرْبَانِ): أَحَدُهُمَا: (لِحَقِّ الْغَيْرِ)؛ أَيْ: غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ كَالْحَجْرِ (عَلَى مُفْلِسٍ) لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، (وَعَلَى رَاهِنٍ) لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ بَعْدَ لُزُومِهِ، (وَ) عَلَى (مَرِيضِ) مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، (وَ) عَلَى (قِنٍّ وَمُكَاتَبٍ) لِحَقِّ سَيِّدِهِ، (وَ) عَلَى (مُرْتَدٍّ) لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ تَرِكَتَهُ فَيْءٌ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِئَلَّا يُفَوِّتَهُ عَلَيْهِمْ، (وَ) عَلَى (مُشْتَرٍ) فِي شِقْصٍ مَشْفُوعٍ اشْتَرَاهُ (بَعْدَ طَلَبِ شَفِيعٍ) لَهُ لِحَقِّ الشَّفِيعِ، (أَوْ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ)؛ أَيْ: تَسْلِيمِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِيَ (الْمَبِيعَ) بِثَمَنٍ حَالٍّ إذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنَ، (وَمَالُهُ بِالْبَلَدِ) أَوْ بِمَكَانٍ (قَرِيبٍ مِنْهُ)، فَيُحْجَرُ عَلَى مُشْتَرٍ فِي كُلِّ مَالِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ لِحَقِّ الْبَائِعِ. وَتَقَدَّمَ. الضَّرْبُ (الثَّانِي) الْحَجْرُ عَلَى الشِّقْصِ (لِحَظِّ نَفْسِهِ)؛ كَالْحَجْرِ (عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ)؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ عَائِدَةٌ إلَيْهِمْ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِمْ عَامٌّ فِي أَمْوَالِهِمْ وَذِمَمِهِمْ، (وَلَا يُطَالَبُ) مَدِينٌ بِدَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ، (وَلَا يُحْجَرُ) عَلَيْهِ (بِدَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ حُلُولِهِ- (وَلَوْ الْتَزَمَ تَعْجِيلَهُ)- لِأَنَّ الْتِزَامَهُ تَعْجِيلَ ذَلِكَ وَعْدٌ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ. (وَلِغَرِيمٍ مِنْ) أَيْ: مَدِينٍ وَظَاهِرُهُ- وَلَوْ ضَامِنًا- (أَرَادَ سَفَرًا طَوِيلًا) فَوْقَ مَسَافَةِ قَصْرٍ عِنْدَ الْمُوَفَّقِ وَابْنِ أَخِيهِ وَجَمَاعَةٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى؛ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا، فَمُقْتَضَاهُ الْعُمُومُ- (وَلَوْ) كَانَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ (حَجًّا وَاجِبًا)- لَتَقَدَّمَ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، (سِوَى سَفَرِ جِهَادٍ مُتَعَيِّنٍ)؛ لِاسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ لَهُ وَنَحْوِهِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ لَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجِهَادِ وَبَيْنَ الْحَجِّ أَنَّ الْجِهَادَ نَفْعُهُ عَامٌّ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، (أَوْ) كَانَ السَّفَرُ (غَيْرَ مَخُوفٍ، أَوْ) كَانَ الدَّيْنُ (لَا يَحِلُّ فِي مُدَّتِهِ)؛ أَيْ: السَّفَرِ، (وَلَيْسَ بِدَيْنِهِ)؛ أَيْ: الْغَرِيمِ الَّذِي يُرِيدُ مَدِينُهُ السَّفَرَ (رَهْنٌ يُحْرَزُ) الدَّيْنُ؛ أَيْ: يَفِي بِهِ، (أَوْ) لَيْسَ بِهِ (كَفِيلٌ مَلِيءٌ) قَادِرٌ بِالدَّيْنِ؛ (مَنْعُهُ)، مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ خَبَرُهُ وَلِغَرِيمِ الْمُتَقَدِّمُ؛ أَيْ: لِرَبِّ الدَّيْنِ مَنْعُ مَدِينَهُ مِنْ السَّفَرِ، (وَمَنْعُ ضَامِنَهُ حَقٌّ يُوَثِّقُهُ بِأَحَدِهِمَا)؛ أَيْ: بِرَهْنٍ يُحْرَزُ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ بِسَفَرِهِ، وَقُدُومُهُ عِنْدَ مَحَلِّهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَلَا ظَاهِرٌ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ لَا يُحْرَزُ أَوْ كَفِيلٌ غَيْرُ مَلِيءٍ؛ لَهُ مَنَعَهُ أَيْضًا حَتَّى يُوَثِّقَ بِالْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَرِيمُ مَدِينٍ وَضَامِنُهُ السَّفَرَ مَعًا، فَلَهُ مَنْعُهُمَا وَمَنْعُ أَيِّهِمَا شَاءَ حَتَّى يُوَثِّقَ كَمَا سَبَقَ.
وَ(لَا) يَمْلِكُ رَبُّ دَيْنٍ (تَحْلِيلَهُ)؛ أَيْ: الْمَدِينُ (إنْ أَحْرَمَ)- وَلَوْ بِنَفْلٍ قَبْلَ إتْمَامِهِ- قَالَ تَقِيُّ الدِّينِ: لَهُ مَنْعُ عَاجِزٍ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِبَدَنِهِ؛ أَيْ: لِأَنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ لَهُ مَيْسَرَةٌ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ لِغَيْبَتِهِ عَنْ بَلَدِهِ، فَيَطْلُبُهُ مِنْ الْكَفِيلِ (وَيَجُوزُ سَفَرُهُ)؛ أَيْ: الْمَدِينُ (قَبْلَ الْمَنْعِ)؛ أَيْ: قَبْلَ مَنْعِ غَرِيمِهِ إيَّاهُ مِنْ السَّفَرِ (أَوْ) قَبْلَ (الطَّلَبِ). (وَيَجِبُ فَوْرًا وَفَاءُ) دَيْنٍ (حَالٍّ) بِطَلَبِ رَبِّهِ لَهُ (أَوْ مُؤَجَّلٍ) ابْتِدَاءً، ثُمَّ (حَلَّ) أَجَلُهُ (عَلَى) مَدِينٍ (قَادِرٍ بِطَلَبِ رَبِّهِ) لَهُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ». وَبِالطَّلَبِ يَتَحَقَّقُ الْمَطْلُ، (فَلَا يَجِبُ) الْوَفَاءُ (بِدُونِهِ)؛ أَيْ: الطَّلَبِ- (وَلَوْ عُيِّنَ وَقْتُ وَفَاءٍ- خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِيمَا يُفْهَمُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجِبُ عَلَى قَادِرٍ وَفَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ بِطَلَبِ رَبِّهِ أَوْ عِنْدَ أَجَلِهِ إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا. فَأَوْجَبَ الْوَفَاءَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالطَّلَبِ؛ (فَلَا يَتَرَخَّصُ مَنْ سَافَرَ قَبْلَهُ)؛ أَيْ: الْوَفَاءُ بَعْدَ الطَّلَبِ (بِفِطْرٍ وَلَا قَصْرِ) رُبَاعِيَّةٍ؛ (وَ) لَا (مَسْحٍ) عَلَى خُفٍّ (ثَلَاثًا)؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ بِسَفَرِهِ. (وَيُمْهَلُ) مَدِينٌ (بِقَدْرِ مَا)؛ أَيْ: مُدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا أَنْ (يُحْضِرَ الْمَالَ)؛ كَمَا لَوْ طُولِبَ بِمَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ، وَمَالُهُ بِدَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ أَوْ بَلَدٍ آخَرَ، فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُحْبَسُ؛ لِعَدَمِ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْأَدَاءِ، وَ{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا}، (وَيَحْتَاطُ) رَبُّ دَيْنٍ (إنْ خِيفَ هُرُوبُهُ)؛ أَيْ: الْمَدِينِ (بِمُلَازَمَتِهِ) إلَى وَفَائِهِ، (أَوْ) يَحْتَاطُ (بِكَفِيلٍ مَلِيءٍ، أَوْ تَرْسِيمٍ) عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. (وَكَذَا لَوْ طَلَبَ مَحْبُوسٌ أَوْ وَكِيلُهُ تَمْكِينَهُ مِنْ وَفَاءِ) بَيْعِ سِلْعَةٍ أَوْ احْتِيَالٍ عَلَى اقْتِرَاضٍ، فَيُمَكَّنُ مِنْهُ، وَيَحْتَاطُ إنْ خِيفَ هُرُوبُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَفِي الْمُغْنِي لِغُرْمِ) مَدِينٍ (مُوسِرٍ مُمْتَنِعٍ مِنْ قَضَاءِ) مَا عَلَيْهِ (مُلَازَمَتُهُ، وَ) لَهُ (الْإِغْلَاظُ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ؛ كَيَا ظَالِمُ يَا مُتَعَدِّي) يَا مُمَاطِلُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَلِيقُ بِحَالِهِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ وَيَأْتِي. (وَإِنْ مَطَلَهُ)؛ أَيْ: مَطَلَ الْمَدِينُ رَبَّ الدَّيْنِ (حَتَّى شَكَاهُ) رَبُّ الدَّيْنِ؛ (وَجَبَ عَلَى حَاكِمٍ) ثَبَتَ لَدَيْهِ (أَمْرُهُ بِوَفَائِهِ بِطَلَبِ غَرِيمِهِ) وُجُوبًا إنْ عَلِمَ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ، أَوْ جَهِلَ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ، (وَلَمْ يَحْجُرْ)؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَيَقْضِي دَيْنَهُ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا تُتَّقَى شُبْهَةٌ بِتَرْكِ وَاجِبٍ. (وَمَا غُرِّمَ) رَبُّ دَيْنٍ (بِسَبَبِهِ)؛ أَيْ: بِسَبَبِ مَطْلِ مَدِينٍ أَحْوَجَ رَبَّ الدَّيْنِ إلَى شَكَوَاهُ؛ (فَعَلَى مُمَاطِلٍ) لِتَسَبُّبِهِ فِي غُرْمِهِ، أَشْبَهُ مَا لَوْ تَعَدَّى عَلَى مَالٍ لِحَمْلِهِ أُجْرَةً، وَحَمَلَهُ لِبَلَدٍ آخَرَ، وَغَابَ؛ ثُمَّ غَرِمَ مَالِكُهُ أُجْرَةَ حَمْلِهِ لِعَوْدِهِ إلَى مَحَلِّهِ الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ تَعَدَّى بِنَقْلِهِ. (وَإِنْ تَغَيَّبَ مَضْمُونٌ) عَنْهُ- (أَطْلَقَهُ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (فِي مَوْضِعٍ وَقَيَّدَهُ فِي) مَوْضِعٍ (آخَرَ بِقَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ، فَغَرِمَ ضَامِنٌ بِسَبَبِهِ)؛ رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ، (أَوْ غَرِمَ شَخْصٌ لِكَذِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ أَمْرٍ؛ رَجَعَ غَارِمٌ) بِمَا غَرِمَهُ (عَلَى كَاذِبٍ وَمَضْمُونٍ) عَنْهُ؛ (وَإِنْ ضَمِنَهُ بِإِذْنِهِ)، وَإِنْ ضَمِنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ فَلَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ، وَلَا تَسَبُّبَ (وَإِنْ أَهْمَلَ شَرِيكٌ بِنَاءَ حَائِطِ بُسْتَانٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ (وَقَدْ اتَّفَقَا)؛ أَيْ: الشَّرِيكَانِ (عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْبِنَاءِ وَبَنَى شَرِيكُهُ، (وَيَتَّجِهُ أَوْ طَلَبَ) شَرِيكٌ (مِنْهُ) أَنْ يَبْنِيَ مَعَهُ، (فَأَهْمَلَ) ذَلِكَ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَمَا تَلِفَ مِنْ ثَمَرَتِهِ)، أَيْ: الْبُسْتَانِ، (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أ (وَ) تَلِفَ (مِنْ شَجَرِهِ) بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا- وَهُوَ مُتَّجِهٌ (بِسَبَبِ ذَلِكَ الْإِهْمَالِ؛ ضَمِنَهُ)؛ أَيْ: ضَمِنَ التَّالِفَ مِنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ؛ لِحُصُولِ تَلَفِهِ بِسَبَبِ تَفْرِيطِهِ (وَلَوْ أَحْضَرَ مُدَّعَى) عَلَيْهِ مُدَّعَى (بِهِ) لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً تَقَعُ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهِ (وَلَمْ يَثْبُتْ لِمُدَّعٍ- لَزِمَهُ)؛ أَيْ: الْمُدَّعِي (مُؤْنَةَ إحْضَارِهِ وَرَدِّهِ) إلَى مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الرُّجُوعُ بِالْغُرْمِ عَلَى مَنْ تَسَبَّبَ فِيهِ ظُلْمًا، (وَإِلَّا)؛ بِأَنْ أَثْبَتَهُ؛ (لَزِمَتْ) مُؤْنَةُ الْإِحْضَارِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ (الْمُنْكِرَ)؛ لِحَدِيثِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ». (فَإِنْ أَبَى) مَدِينٌ وَفَاءَ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَمْرِ الْحَاكِمِ لَهُ بِطَلَبِ رَبِّهِ؛ (حَبَسَهُ)؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا «لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا.
قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ وَكِيعٌ-: عِرْضُهُ شَكَوَاهُ وَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَيْثُ تَوَجَّهَ حَبْسُهُ- (وَلَوْ) كَانَ (أَجِيرًا) خَاصًّا (فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ) كَانَ (امْرَأَةً مُزَوَّجَةً)- لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْحَبْسِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ وَلَا يَجِبُ حَبْسُهُ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ، بَلْ الْمَقْصُودُ مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ؛ فَيُحْبَسُ وَلَوْ فِي دَارِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْخُرُوجِ. (فَإِنْ أَبَى) مَحْبُوسٌ مُوسِرٌ دَفْعَ مَا عَلَيْهِ؛ (عَزَّرَهُ) حَاكِمٌ، (وَيُكَرِّرُ) حَبْسَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ؛ كَالْقَوْلِ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، (وَلَا يُزَادُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ)؛ أَيْ: الْعَشْرِ ضَرَبَاتٍ، (فَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى الْقَضَاءِ مَعَ مَا سَبَقَ؛ (بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَقَضَاهُ). نَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا تَقَاعَدَ بِحُقُوقِ النَّاسِ يُبَاعُ عَلَيْهِ، وَيُقْضَى؛ أَيْ: لِقِيَامِ الْحَاكِمِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالْقَوْلُ بِالْحَبْسِ اخْتَارَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَا تَخْلُصُ الْحُقُوقُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ إلَّا بِهِ وَبِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ. وَقَالَ فِي الْإِفْصَاحِ: أَوَّلُ مَنْ حَبَسَ عَلَى الدَّيْنِ شُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَمَضَتْ السُّنَّةُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ عَلَى الدُّيُونِ، لَكِنْ يَتَلَازَمُ الْخَصْمَانِ، (وَإِلَّا) يَظْهَرُ لَهُ مَالٌ (فَلَيْسَ لَهُ)؛ أَيْ: الْحَاكِمِ (إخْرَاجُهُ)؛ أَيْ: الْمَدِينَ مِنْ الْحَبْسِ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرَهُ)؛ أَيْ: أَنَّهُ مُعْسِرٌ، فَيَجِبُ إطْلَاقُهُ، (أَوْ يُبْرِئُهُ) غَرِيمُهُ، (أَوْ يُوَفِّيهِ) دَيْنَهُ، أَوْ يَرْضَى الْغَرِيمُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ حَقٌّ لِرَبِّ الدَّيْنِ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ. (وَلَيْسَ عَلَى مَحْبُوسٍ قَبُولُ مَا يَبْذُلُهُ غَرِيمُهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنَّةٌ فِيهِ)؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مَذَلَّةِ النَّفْسِ أَوْ انْحِطَاطِ رُتْبَتِهَا (وَيَجِبُ تَخْلِيَتُهُ)؛ أَيْ: الْمَحْبُوسِ (وَإِنْظَارُهُ إنْ بَانَ مُعْسِرًا)، سَوَاءً رَضِيَ غَرِيمُهُ أَوْ سَخِطَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ}؛ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: لَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ إعْسَارِهِ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ حَبَسَهُ بِلَا إذْنِهِ، (وَفِي إنْظَارِهِ)؛ أَيْ: الْمُعْسِرَ (فَضْلٌ عَظِيمٌ)؛ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، (وَتَحْرُمُ مُطَالَبَتُهُ)؛ أَيْ: الْمَدِينُ الَّذِي ظَهَرَتْ عُسْرَتُهُ بِمَا عَجَزَ عَنْهُ (وَمُلَازَمَتُهُ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ)؛ لِلْآيَةِ، «وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِغُرَمَاءِ الَّذِي كَثُرَ دَيْنُهُ؛ خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ». (فَإِنْ ادَّعَى) مَدِينٌ (الْعُسْرَةَ)، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ رَبُّ الدَّيْنِ، (وَدَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ مَالِيٍّ كَثَمَنِ) مَبِيعٍ (وَ)؛ بَدَلِ (قَرْضٍ وَأُجْرَةِ) مَأْجُورٍ، حُبِسَ، (أَوْ) كَانَ دَيْنُهُ (عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ مَالِيٍّ؛ كَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ) وَضَمَانٍ (وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَنَفَقَةِ زَوْجَةٍ، وَ) كَانَ الْمَدِينُ (أَقَرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ، أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ- وَالْغَالِبُ بَقَاؤُهُ- حُبِسَ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ) مَدِينٌ (بَيِّنَةً بِالْإِعْسَارِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا)؛ أَيْ: الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِإِعْسَارِهِ (أَنْ تَخْبُرَ بَاطِنَ حَالِهِ)؛ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا فِي الْغَالِبِ إلَّا الْمُخَالِطُ لَهُ، لَا يُقَالُ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ؛ فَلَا تُسْمَعُ؛ كَالشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا دَيْنَ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ لَا تُرَدُّ مُطْلَقًا؛ إذْ لَوْ شَهِدَتْ؛ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ؛ قُبِلَتْ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَضَمَّنُ النَّفْيَ، فَهِيَ تُثْبِتُ حَالَةً تَظْهَرُ وَتَقِفُ عَلَيْهَا الْمُشَاهَدَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْهَدُ بِهِ حَالَةً يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَتِهِ. (وَلَا يَحْلِفُ مَدِينٌ مَعَهَا)، أَيْ: مَعَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِإِعْسَارِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ، (أَوْ) إلَّا أَنْ (يَدَّعِيَ نَحْوَ تَلَفٍ) لِمَالِهِ وَنَفَادِهِ فِي نَفَقَةٍ أَوْ وَضِيعَةٍ، (وَيُقِيمُ بِهِ)؛ أَيْ: التَّلَفِ وَنَحْوِهِ (بَيِّنَةً)، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ تَخْبُرَ بَاطِنَ حَالِهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ وَالنَّفَادَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَنْ خَبِرَ بَاطِنَ حَالِهِ وَغَيْرُهُ؛ (وَيَحْلِفُ) الْمَدِينُ (مَعَهَا)؛ أَيْ: الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِتَلَفِ مَالِهِ وَنَحْوِهِ (أَنَّهُ مُعْسِرٌ)، إنْ طَلَبَ رَبُّ الْحَقِّ يَمِينَهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ غَيْرُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، (وَيَكْفِي فِي الْحَالَيْنِ أَنْ تَشْهَدَ بِالتَّلَفِ أَوْ الْإِعْسَارِ) يَعْنِي يَكْفِي فِي الْإِعْسَارِ أَنْ تَشْهَدَ بِهِ، وَفِي التَّلَفِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، (وَتُسْمَعَ) بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ أَوْ التَّلَفِ وَنَحْوِهِ (قَبْلَ حَبْسِ) الْمَدِينِ؛ كَمَا تُسْمَعُ (بَعْدَهُ)- وَلَوْ بِيَوْمٍ- لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ جَازَ سَمَاعُهَا بَعْدُ جَازَ سَمَاعُهَا فِي الْحَالِ.، وَإِنْ سَأَلَ مُدِعٍّ حَاكِمًا تَفْتِيشَ مَدِينٍ مُدَّعِيًا أَنْ الْمَالَ مَعَهُ؛ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ، (أَوْ) إلَّا أَنْ (يُسْأَلَ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- أَيْ: يَسْأَلُ الْمَدِينُ (الْمُدَّعِيَ عَنْ عِلْمِ حَالِهِ)، فَتَكُونَ دَعْوَى مُسْتَقِلَّةً (فَيُصَدِّقُ) الْمُدَّعِي الْمَدِينَ (أَنَّهُ مُعْسِرٌ، فَلَا يُحْبَسُ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عُسْرَتِهِ، أَوْ عَلَى نَفَادِ مَالِهِ، أَوْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَنْكَرَ مُدَّعٍ) عُسْرَةَ مَدِينٍ، (وَحَلَفَ) مُدَّعٍ (بِحَسَبِ جَوَابِهِ)؛ أَيْ: حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ أَوْ أَنَّهُ مُوسِرٌ أَوْ ذُو مَالٍ أَوْ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ؛ حُبِسَ، (أَوْ أَقَامَ) مُدَّعٍ (بَيِّنَةً بِقُدْرَتِهِ)؛ أَيْ: قُدْرَةِ مُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْوَفَاءِ؛ (حُبِسَ)؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ عُسْرَتِهِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ أَوْ تَظْهَرَ عُسْرَتُهُ. (وَإِلَّا) يَكُنْ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ؛ كَصَدَاقٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَلَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ، وَلَمْ يَحْلِفْ مُدَّعِي طَلَبٍ يَمِينَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ؛ (حَلَفَ مَدِينٌ) أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، (وَخُلِّيَ) سَبِيلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ ذَنْبٌ يُعَاقَبُ بِهِ. (وَحَرُمَ إنْكَارُ مُعْسِرٍ وَحَلِفُهُ) لَا حَقَّ عَلَيْهِ، (وَلَوْ تَأَوَّلَ) بِحَلِفِ كُنْيَتِهِ بِحَلِفِهِ (لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ الْآنَ)؛ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ؛ لِظُلْمِهِ رَبَّ الدَّيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ جَوَازِ تَأَوُّلِ الْمَدِينِ بِحَلِفِهِ (إنْ نَوَى بِقَلْبِهِ عَدَمَ الْوَفَاءِ بَعْدَ) ذَلِكَ؛ أَيْ: وَقْتَ إيسَارِهِ، (وَإِلَّا) تَكُنْ نِيَّةُ عَدَمِ الْوَفَاءِ، (فَلَا) يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّأْوِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَيْهِ يَجِبُ وَفَاؤُهُ حِينَئِذٍ، وَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الِاتِّجَاهَ فِي الْإِنْصَافِ قَالَ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ مَا ذَكَرَ: قُلْتُ لَوْ قِيلَ بِجَوَازِهِ إذَا تَحَقَّقَ ظُلْمُ رَبِّ الْحَقِّ لَهُ وَحَبْسُهُ وَمَنْعُهُ مِنْ الْقِيَامِ عَلَى عِيَالِهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. (وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِمُفْلِسٍ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ، فَأَنْكَرَ) الْمُفْلِسُ، وَلَمْ يُقِرَّ بِالْمَالِ لِأَحَدٍ؛ (أَوْ أَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ، فَكَذَّبَهُ زَيْدٌ قَضَى مِنْهُ دَيْنَهُ)، وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوع: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ لَهَا تَقَدُّمُ دَعْوَى.
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ؛ أَيْ: مِنْ الْمَالِكِ بَلْ قَدْ تَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى الْغَرِيمِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ أَوْ لِلْمُقِرِّ لَهُ بَيِّنَةٌ قُدِّمَتْ لِإِقْرَارِ رَبِّ الدَّيْنِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْضَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ لَهُ بِهِ تُكَذِّبُهُ فِي إقْرَارِهِ مَعَ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ، وَ(لَا) يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ (إنْ صَدَّقَهُ)؛ أَيْ: الْمُفْلِسُ (زَيْدٌ، فَيَأْخُذُهُ)؛ أَيْ: الْمَالَ زَيْدٌ (بِيَمِينِهِ)؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ عَمَلًا بِإِقْرَارِ رَبِّ الدَّيْنِ. (وَإِنْ سَأَلَ غُرَمَاءُ مَنْ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ) الْحَالِّ (أَوْ) (سَأَلَ بَعْضُهُمْ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْمَدِين؛ (لَزِمَهُ)؛ أَيْ: الْحَاكِمَ (إجَابَتُهُمْ)؛ أَيْ: السَّائِلِينَ، وَحَجَر عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَر عَلَى مُعَاذٍ، وَبَاعَ مَالَهُ» رَوَاه الْخَلَّالُ فَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ؛ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ، (لَا إنْ سَأَلَهُ الْمُفْلِسُ) أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ، فَلَا تَلْزَمُ الْحَاكِمَ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِغُرَمَائِهِ، لَا لَهُ. (وَسُنَّ إظْهَارُ حَجْرِ سَفَهٍ وَفَلَسٍ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ [لِيَنْتَشِرَ ذَلِكَ]) بَيْنَ النَّاسِ، (وَتُجْتَنَبَ مُعَامَلَتُهُ)، وَيُسَنُّ لِلْحَاكِمِ الْإِشْهَادُ عَلَى حَجْرِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عُزِلَ أَوْ مَاتَ، فَيَثْبُتُ الْحَجْرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْآخَرِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ابْتِدَاءِ حَجْرٍ ثَانٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ، (وَتَصَرُّفُ مُفْلِسٍ قَبْلَ حَجْرٍ) عَلَيْهِ (فِي مَالِهِ مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِقْرَارٍ نَافِذٌ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِكٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، (وَلَوْ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ مَالِهِ مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ) عَلَى الْمَدِينِ التَّصَرُّفُ (إنْ أَضَرَّ) تَصَرُّفُهُ (بِغَرِيمِهِ). وَتَقَدَّمَ.